حماد القباج: جماعة العدل والإحسان لا تساهم بدفع عجلة الإصلاح إلى الأمام

أثار ترشح السلفي المعروف حماد القباج، باسم العدالة والتنمية، في مراكش، الكثير من الجدل والتساؤلات حول مواقفه من العديد من القضايا الحساسة في المغرب.ومن ضمن القضايا، التي ذكر مراقبون انها لا تتناغم ومواقف حزب رئيس الحكومة، هي التي تتعلق بالحريات الفردية، وولاية المرأة وغيرها.في هذا الحوار يبسط السلفي أجوبته.حي كليز هو أرقى أحياء مدينة مراكش، ومليء بالملاهي والحانات في مدينة تعتبر الوجهة السياحية الأولى للملكة، ويعتبرها بعض الإسلاميين “بؤرة لنشر الفساد” وما يمارس فيها “مناقض للدين” و”يجب محاربته”. ألا يخلق لكم هذا الترشيح إشكالا؟أنا أفهم أو أتفهم تخوف البعض بناء على صور نمطية لدى الكثيرين عن علاقة المتدين أو الداعية بمثل هذه الظواهر الموجودة في المجتمع، لكن سوف تتبدد هذه الصورة وهذا التخوف إذا عبرت عما أعتقده وعما أنا مقتنع به دينيا وسياسيا، من أن التعامل مع هذه الأمور التي لا أتفق معها بخلفيتي الدينية، لا يمكن أن يكون أبدا بسلوك عدواني أو بسلوك يفرض على الآخر شيئا لا يريده.حتى دينيا هذا الأمر غير سليم، لذلك فالذين ينتسبون إلى الدعوة وإلى الدين ويريدون فرض أشياء على الناس فعلا أو تركا، فإن هؤلاء لا يطبقون الدين في الحقيقة، لأن الدين واضح وصريح في عدم إلزام أحد بشيء. والله سبحانه وتعالى يقول لنبيه الكريم: وما أرسلناك عليهم حافظا، وما عليك إلا البلاغ، وأنك لست مكلفا بأن تلوي ذراع الناس لتحمله على فعل شيء أو تركه، فهذا غير سليم دينيا، فكيف سأفعله سياسيا.حينما أتحدث من منطلقي الدعوي عندي مجال فسيح لا يمكن أن أتجاوز فيه النصيحة وإبداء رأيي حول شرب الخمر وممارسة الزنا، وأن أبين أن هذه الأمور ضارة.. إلخ. هذا حدود ما يمكن أن أصل إليه، أما مجال السياسة فهو أضيق من المجال الدعوي، وبالتالي فإن ما يمكن أن يكون لي فيه من مشاركة في مثل هذه الأمور من باب أولى لا يمكن أن يتجاوز ما هو متاح لي في المجال الدعوي، ولذلك مع هذا التوضيح ومحاولة شرحه بشكل أوسع، يمكن أن يطمئن كل المتخوفين ويعلموا أننا ما جئنا لنكون على الناس حافظين ولا لنكون عليهم فارضين لما نعتقده.نحن نعمل في إطار دستور وفي إطار قانون ومؤسسات، والحزب له برنامجه الواضح ونحن متعاقدون مع المواطنين بناء على ذلك البرنامج، وليس في هذا البرنامج شيء من هذا القبيل، وبالتالي أرجو أن يتبدد هذا التخوف.إذا نجحتم السيد القباج في الفوز بمقعد برلماني مثلا، وقرر حزب العدالة والتنمية مثلا أن تكون البرلمانية ماء العينين رئيسة للفريق البرلماني، فهل ستقبلون أن تعملوا تحت رئاستها وتوجيهها بأريحية، أم أن حجة “ولاية المرأة الناقصة” التي يسوقها البعض، قد تكون حائلا دون ذلك؟لا أريد هنا أن أجيب جوابا يقرأ على أنه سياسي، ولكن سأجيب بجواب يقطع الشك باليقين. من الدراسات التي كتب لي أن أنجزها في حياتي العلمية، دراسة تحت عنوان “المرأة بين الشرع والقانون للفقيه الحجوي: دراسة وتعليق”، وأصل هذه الدراسة وثيقة أصدرها هذا الفقيه المغربي المتوفى سنة 1968، ويتحدث فيها عن حقوق المرأة سنة 1938. ولما تحدث عن الحقوق السياسية للمرأة، ذهب في اجتهاده الفقهي المؤصل إلى أن للمرأة الحق الكامل في ممارسة السياسي، وأنه لا يمنع عنها تولي منصب رئيس الوزراء أو رئيس الحكومة أو منصب وزير في أي من القطاعات، إذا توفرت الشروط وفي أولها الأهلية. وهذا الكتاب الذي درسته ونشرته وعلقت عليه بما يؤكد اجتهاد الفقيه الحجوي هو خير جواب، وبالتالي سأفرح أن تكون السيدة ماء العين رئيسة لفريق العدالة والتنمية في البرلمان.موضوع الحريات الفردية يثير كل مرة جدلا بين حساسيات ومكونات المجتمع المغربي، وفي كثير يتم اتهام السلطات باستعمال القانون لمراقبة حياة الناس والضرب في بعض الحالات على يد المعارضين والخارجين عن الإجماع؟ ما موقفكم في هذا المجال؟موضوع الحريات الفردية هو موضوع متفق عليه بين جميع الحساسيات السياسية من جميع التوجهات والتيارات السياسية. الحرية قيمة إنسانية، وحرية الإنسان جزء من كرامته، لكن يحصل اختلاف في بعض الجزئيات وأنا لا أتفق مع تضخيم هذه الجزئيات لأنها تغطي على ما نشاهده وما هو شائع من ضمان الدستور والقانون المغربي لهذه الحريات. بطبيعة الحال، قد أرى في ممارسة ما أنها لا تدخل في إطار ما هو متعارف عليه سياسيا وقانونيا، وأنها تدخل في إطار شيء آخر، ألا وهو الإخلال بالمسؤولية والإخلال بحقوق أخرى قد لا تقل أهمية عن حق الحرية، وغيرها من التوجهات الأخرى.فأنا مثلا قد أرى أن الشذوذ الجنسي لا يدخل في إطار الحريات التي نتعارف عليها ونتفق عليها، بل أرى أنه يدخل في شيء آخر يخل بشيء آخر، وفي الجهة الأخرى قد يوجد من يرى أن تغطية المرأة لوجهها لا يدخل في الحريات وقد يضر بحقوق أخرى. هذا خلاف موجود في المجتمع ولا يمكن مصادرة آراء الناس ولا يمكن محو هذا الاختلاف، فهذا أمر مستحيل، لكن السؤال الأساسي هو كيفية تدبير هذا الاختلاف والتعامل معه.إذا كنا جميعا متفقين على خيار الممارسة الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون، فإننا سنقطع شوطا في التعامل مع هذه الخلافات، وسوف نعلم أن الأغلبية في البلد ترفض أن يعتبر نوع من الممارسات ضمن الحريات وهذا من حقها، وحقها يتم اعتماده بشكل ديمقراطي وليس بشكل تعسفي في إضرار بحق الأقليات، وهذه هي الممارسة الديمقراطية. المغرب له تاريخ وله واقع، والدراسات تؤكد أن التدين فيه كبير والمواقف الشعبية تؤكد ذلك، فإذا كان المغاربة يرفضون أن يوجد في قانونهم مثل هذا الشيء ويتم التعبير عن ذلك في المؤسسة التي تمثل المغاربة وهي البرلمان، فأرى أن هذا طبيعي.أنا لا أتفق مع كل ما جاء في الدستور، لكن دعوت للتصويت عليه لأن هذا هو التوافق وهذا من مستلزمات التعايش، وبالتالي لا ينبغي تضخيم المسائل الجزئية، حتى نستمر في بنائنا المؤسسي والممارسة الديمقراطية الحقيقية، ومثل هذا السلوك السياسي هو كفيل بأن يمتص كل هذه الجزئيات.ما زال يبدو أن هناك نوعا من الغموض في موقفكم من الحريات الفردية، فعندما توبع السيد بنحماد والسيدة النجار مؤخرا لخرقهما القانون دافعتم عنهما، فهل هذا منطق انصر أخاك ظالما أو مظلوما؟في وقت ما قبل حادثة الدكتور بنحماد والأستاذة فاطمة أرسل لي أحد الشباب فيديو يقال فيه بأنه للسيد مزوار وفيه شيء ما من الحياة الشخصية، على أساس أنه شيء ينبغي أن ينشر وأن يبين، فكانا جوابي رفض نشر هذا الفيديو في صفحتي، وأن تتبع الناس في حياتهم الشخصية مخالفة شرعية حذر منها الرسول (ص).لذلك فالنبي (ص) قال: “يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته”، فالنبي شدد في رفض هذا السلوك وهذا ما نصحت به بعض الشباب حينما طلبوا مني نشر الفيديو في صفحتي.ولما جاءت حادثة الأخوين المحترمين الفاضلين الدكتور بنحماد والأستاذة فاطمة، كان موقفي منسجما تجاه من هو مثلهم عندي، لأنه هو مواطن في نهاية المطاف وهو رجل مسؤول وشخصية عمومية، ما يجعل موقفي منسجما غير متناقض.ما أريد أن أؤكده في حادثة الأخوين بالإضافة إلى ما طرح من تساؤلات كثيرة عن علاقة إفشاء هذا الخبر بالانتخابات وغيرها من التساؤلات التي طرحها كثير من المتابعين، أود أن أؤكد موقفي من الزواج العرفي، وهو أنه زواج غير شرعي وهو التصريح الذي أدليت به سابقا. كون الأخ والأخت وقعا في هذا الزواج في انتظار صدور الأوراق، أمر لا يسمح أبدا بأن يعاملا بهذه الطريقة غير الشرعية وغير الوطنية وغير المعقولة ولا أملك إلا أن أعبر عن رفضي لذلك.وما يشاع من قولي عن السيد فاطمة هي مثل أمنا عائشة فهذا كذب لم أقله، ولكن قلت بأن الدعاة والداعيات لله سبحانه وتعالى يمكن أن يتعرضوا لمثل ما تعرضت له أمنا عائشة، فإذا كانت زوجة الرسول نفسها قد تعرضت لذلك فما بالك بمن دونها. هذه كانت رسالة لطمأنة السيدة فاطمة ومحاولة مواساتها في وضعيتها النفسية الحرجة، التي أجدد أن من تسبب فيها ارتفع عنه الضمير على الأقل في ذلك الوقت للأسف الشديد.12- أنتم من الأشخاص في وضعية إعاقة، كما يصطلح على ذلك حقوقيا، فكيف تقيمون اعتناء الدولة بهذه الفئة من المواطنين؟إن كان من شيء حفزني للتشرف للالتحاق من أجل العمل إلى جانب الإخوة والأخوات في حزب العدالة والتنمية، هو أن هذا الحزب فسح المجال لأحد هؤلاء ليمارس حقه كما ينبغي أن يمارسه الجميع. لأن وضعية الناس في إعاقة هي وضعية مؤسفة للغاية، بل كارثية، وأهل مكة أدرى بشعابها، فأنا حين كنت قويا صحيح البدن لم يكن لدي أي تصور عن عناء وحالة المعاق حين أراه في كرسي أو مستشفى، حيث تأخذني عاطفة عابرة لكن سرعان ما تزول بعد لحظات، وهذا حال أغلب ممارسي السياسة الذين قد يتعاطفون بالقول وبشكل آني، لكن بمجرد أن يغيب المعاق يغيب هذا ويتبخر، بل حتى في وقت التعاطف لا يدري السياسيون المشكلات الحقيقية. كثير من ذوي الاحتياجات لا يستطيع أن يأكل أو يشرب ما لم يمد له أحد، ولا يستطيع أن يذهب للحمام إلا إذا ساعده أحد، وغالبا ما يجدون صعوبة كبيرة في إيجاد من يساعدهم على ذلك.أتذكر هنا صديقا لي توفي قبل 15 سنة، والرجل الذي كان يأتي لبيتي من أجل الترويض كان يحدثني عنه ويحدثه عني، لكن مرة جاء عندي المروض وقال لي صاحبك مات لأن أمه لم تستطع أن تجمع بين الوظيفة وبين الاعتناء به، وحصل له نوع من الاهتراء في لحمه بسبب ميكروب فمات..الناس الأصحاء يتمتعون بكثير من الأمور صباح مساء ولا يشعرون بقيمتها وأهميتها، وهذه الفئة لا تجد من يتحدث عنها داخل البرلمان ويعمل جادا للرفع من مستوى معيشتها من أجل تخفيف هذه الوضعية، وأتمنى أن يكون بيننا تعاون قوي في الحزب من أجل النهوض بهذه الفئة لتتحسن وضعيتهم كما هو الحال في أوروبا، حيث إن الأشخاص في وضعية إعاقة مستقلون بشكل كبير. أتمنى أن أرى بلدي في أحسن حال والناس تأخذ ما تستحق وأدافع عن حقوقهم.يتحدث السيد رئيس الحكومة مرارا عما يسميه “تحكما”، فهل انضمامكم إلى هذا الحزب يدخل في إطار محاربة التحكم، وما هي أشكاله إن كان موجودا فعلا؟أشرت إلى أن العناية بالأشخاص ذوي الإعاقة هي من أهم المحفزات للالتحاق بحزب العدالة والتنمية، وأضيف هنا أن الموقف المشرف للحزب في مواجهة التحكم كان أيضا من أهم تلك المحفزات، باعتباره واقعا ورثه المغرب منذ فجر الاستقلال والذي تمثل في تيار معروف وأشخاص معروفين بلغوا بالتحكم إلى درجات لا يمكن أن تتصور، وتسببوا في كثير من بؤر التوتر وفي كثير من التقاطبات التي عانى منها المغرب وما زال.لذا أعتقد جازما بأن الذي يريد أن يخدم وطنه، فإن مشاركته في الحد من حجم هذا التحكم والاستبداد بشكل عام أفضل ما يقدم لهذا الوطن، وبفضل الله أن هذا الوطن دخل في مسيرة جادة في هذا الموضوع تحت قيادة جلالة الملك، وهنا نشيد بالمصالحة التاريخية التي كانت بين الدولة واليسار، وإن كان هناك تحفظ على بعض الجزئيات مما يشجع على ترسيخ العدالة ودفع المظالم. هذا الروح وهذا النفس تجدد مع خطاب التاسع من مارس ودستور 2011، إضافة إلى المجهود الكبير للمكون الحكومي لتنزيل تلك المقتضيات رغم الظرفية الصعبة والحرجة.. كل هذا مكسب للجميع ولا يجب أن نسمح برجوع المغرب إلى عقد بائد كان سيؤدي به إلى السكتة القلبية.ما رأيكم في مجادلة جماعة العدل والإحسان في شرعية إمارة المؤمنين، واتهامها للسلطات بالتضييق والمنع من الحصول على رخصة لإنشاء حزب سياسي والانخراط في العمل السياسي بالطريقة التي تراها مناسبة؟الذي أعرفه هو أن الإخوة في الجماعة هم من يرفضون الالتحاق بالعمل السياسي وأن لهم موقفا مبدئيا في ذلك، وأنا لا يمكنني أن أهاجمهم في رأيهم وحسبي أن أعبر عن اختلافي معهم وأنني أرى– وهو رأيي الخاص- لا يمكن أن يكون موقفا إيجابيا ولا يساعد على الدفع بالعجلة إلى الأمام، خصوصا من يقرأ تاريخ المغرب، حيث يدرك أنه لا يمكنه أن يمشي بعيدا عن المؤسسة الملكية وعما تحدثه من توازن كبير، لذلك أتمنى من الإخوة أن يراجعوا موقفهم حتى يكون أكثر مرونة ليس بالتنازل عن المبادئ، لكن لأن هذا ما سيساعد على إيجاد حياة سياسية إيجابية، تضيق فيها الدائرة على الفاسدين والمفسدين، وتتوسع دائرة الوطنيين الصادقين الذين يجسدون الوطنية الصادقة التي تحدث عنها صاحب الجلالة.إضافة إلى إلمامكم بعلوم الدين، تمارسون اليوم الصحافة. لماذا هذا الاختيار؟ ألا ترون بأن تكون لكل فقيه وسيلته الإعلامية، كما حال دول الخليج، يفتي فيها بما شاء ويقول فيها ما شاء، قد يخلق خلطا خاصة لدى الشباب.ما نقلني لممارسة الصحافة هو التاريخ المغربي الذي قرأت عنه الكثير. فما قام به علماء وفقهاء المغرب من تأسيس للجرائد ونشر للمقالات جعلني أرى جمالا ورونقا في الانسجام بين وظيفة الفقيه ووظيفة الصحافي، فقل لم لا أجرب كي أقتدي بأمثال هؤلاء.وما يحدث من فوضى في الشرق الأوسط سياسيا وإعلاميا، يؤكد على أهمية التشبث بالمؤسسة الملكية التي تقف سدا منيعا أمام هذه الفوضى ومثل هذه الاضطرابات الفكرية والعلمية.