ضَرُورَة من يكْشف للرؤساء عيوبهم

كما جاء في كتاب السياسة لابن سينا الصفحة 88 ما يلي
وأحق النَّاس بذلك وأحوجهم إِلَيْهِ الرؤساء فَإِن هَؤُلَاءِ لما خَرجُوا عَن سُلْطَان التثبت وَعَن ملكة التصنع تركُوا الاكتراث للسقطات وَتعقب الهفوات بالندمات فاستمرت عَادَتهم على كَثْرَة الاسترسال وَقلة الاحتشام إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم برعت عُقُولهمْ ورجحت أحلامهم ونفذت فِي ضبط أنفسهم بصائرهم فحسنت سيرتهم واستقامت طريقتهم وَمِمَّا زَاد فِي عظم بلائهم باكتتام عيوبهم أَنهم هيبوا عَن التَّعْبِير بالمعايب مُوَاجهَة وَعَن النَّقْص والذم مشافهة وخيفوا فِي إعلان الثلب والعضب والشنعوالجذب والهمز واللمز بِظهْر الْعَيْب فَلَمَّا انْقَطع علم ذَلِك عَنْهُم ظنُّوا أَن المعايب تخطتهم والمثالب جاوزتهم فَلم تعرج بخططهم وَلم تعرس بأفنيتهم
وَلَيْسَ كَذَلِك حَال من دونهم من الرعاع والسوقة فَإِن أحدهم لَو رام أَن يخفى عَنهُ عيوبه يبدهه محبَّة بهَا ويتدارك عَلَيْهِ بأقبحها مَا اسْتَطَاعَ ذَلِك فَإِنَّهُ يخالط النَّاس ويلابسهم ضَرُورَة والمخالطة تحدث المجادلة والمدافعة وَذَلِكَ من أَسبَاب الْمُخَاصمَة والمخاصمة تُؤدِّي إِلَى التعايب بالمثالب والترامي بالعار وَعند ذَلِك يكَاد كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ لَا يرضى بِذكر حقائق عُيُوب صَاحبه بل يتهمه بِالْبَاطِلِ ويفتعل عَلَيْهِ الزُّور فَهَؤُلَاءِ قد كفوا استرشاد جلسائهم وَبث الجواسيس فِي تعرف عيوبهم من قبل أعدائهم فَإِنَّهَا قد جلبت إِلَيْهِم من غير هَذَا الطَّرِيق فَأَما من يسالم من السوقة النَّاس فَلَا يساورهم ويواتيهم وَلَا يلاحيهم فَإِنَّهُ لَا يعْدم من ينبهه على عَيبه وينصحه فِي نَفسه من حميم وَقَرِيب وخليط وجليس وأكيل