سرّ السيارات المفخخة في "بريتال" اللبنانية











كيف تتحول سيارات مسروقة في لبنان إلى سيارات انتحارية؟ وكيف يتفق أن تكون قرية شيعية هي بلدة بريتال مكاناً لتفخيخ سيارات تتفجر في مناطق نفوذ حزب الله؟ إنه السؤال الكبير الذي خاضت فيه قناة "العربية" عبر برنامج "مهمة خاصة"، وقادت فريق العمل إلى بلدة بريتال الحدودية اللبنانية.
وهناك وقفت مراسلة "العربية" الزميلة عليا إبراهيم على مفارقات عجيبة لا تظهر بسهولة للمشاهد العربي العادي، ومن هذه المفارقات اشتغال البعض بتجارة سرقة السيارات وبيعها باتجاه سوريا أو العكس.
وفي أوقات سابقة كانت هذه التجارة ذات أغراض اقتصادية، لكن مع تورّط حزب الله في سوريا تحولت إلى أغراض سياسية بحتة.
وحققت حلقة "مهمة خاصة" في الملف ووجدت أن الجيش اللبناني الذي ينفذ منذ نحو أسبوع خطة أمنية في شمال لبنان وشرقه، كان قد أجهز قبل مدة على شخص يُدعى سامي الأطرش، وهو متهم بالضلوع في أعمال التفجير.

بريتال.. بلدة المفارقات العجيبة

وفي سياق البحث والتحقيق تبين لفريق البرنامج أن السيارات المفخخة كانت كلها مسروقة، وأغلبها تم شراؤها من بلدة بريتال الشيعية على يد أشخاص من بلدة عرسال السنية، هم على علاقة بمجموعات تابعة للمعارضة السورية.
وجرى تفخيخ السيارات في الداخل السوري قبل أن ترسل مجدداً إلى مناطق نفوذ حزب الله لتفجيرها، بما في ذلك البقاع والضاحية الجنوبية من بيروت.
ورصد الفريق أيضاً أعمال الدهم التي يقوم بها الجيش اللبناني لأوكار كبار المطلوبين، وقابل مسؤولين سياسيين وأمنيين لمعرفة إمكانية النجاح والظروف التي تتم فيها.
وفي قرية بريتال الشيعية، أحد معاقل حزب الله، تحولت البلدة خلال الأشهر القليلة الماضية إلى نقطة مركزية لتبادل السيارات المفخخة التي تفجرت في الضاحية الجنوبية، منطقة نفوذ لحزب الله.
وفي بريتال رفع وزير الداخلية شعار إغلاق معابر الموت المفتوحة باتجاه سوريا ذهاباً وإياباً، والتي انتهت بإدخال 15 سيارة مفخخة إلى لبنان. وإن نجحت قوات أمن الدولة في تفكيك سيارات قبل انفجارها كما حدث أمام مقام السيدة خولة، فقد فشلت في كشف سيارات أخرى تجاوزت كل الحواجز ووصلت أهدافها التفجيرية.

تورّط حزب الله في سوريا هو السبب

ومن خلال مقابلات أجرتها مراسلة "العربية" تبين أن هناك وعياً كبيراً بمشكلة السيارات المفخخة في بلدة بريتال، لكن المشكلة تكمن أساساً في الغطاء السياسي الذي يحظى به رؤوس العصابات الإجرامية، فضلاً عن تورّط حزب الله في سوريا.
وفي هذا السياق العام قال الشيح أحمد صالح، إمام بلدة عرسال، إن أهل بلدة بريتال لا يعترضون على الخطة الأمنية لوزارة الداخلية، مؤكداً أن بريتال تحتاج خطة إنمائية أكثر من حاجتها إلى خطة أمنية.
أما صحافي جريدة "النهار" اللبنانية عباس صالح، فقال إن المتاجرين في السيارات المفخخة يظهر وكأنهم بلا ضمير ولا تؤثر فيهم الولاءات السياسية، باتجاه تقييد حركتهم في اتجاهات معينة.
وبالنسبة لإلياس المر، رئيس مؤسسة الإنتربول وزير الداخلية السابق، فإن تدخل حزب الله في سوريا هو سبب ظهور مجموعات إرهابية تفخخ السيارات وترسلها إلى لبنان مزوّدة بانتحاريين لتفجيرها في بعض مناطق تواجد حزب الله.
وقال إلياس المر إن "الاغتيالات بين 2004 و2012 اغتيالات سياسية، أما العمليات الانتحارية التي شهدها لبنان في الأشهر الأخيرة، فهي عمليات نتجت عن وضع سياسي وعسكري سببه الوضع في سوريا، حيث لم تستهدف التفجيرات سياسيين إنما استهدفت لسوء الحظ مناطق فيها أبرياء، مثل السفارة الإيرانية.

رؤوس عصابات السيارات يحظون بالحماية

أنور يحيى، قائد الشرطة القضائية السابق، يرى أن "ظاهرة سرقة السيارات موجودة في العالم كله وليس فقط في بريتال"، ويؤكد فعالية العملية الأمنية والتنسيق بين مختلف الجهات في بلدة بريتال، بدليل عدد السيارات التي يتم الإعلان عن سرقتها وعدد السيارات التي يتم العثور عليها، وهو عدد متقارب.
وأكد أنور يحيى أن مصالح الأمن لا تتعاطى مع مطلوبين أمنيين في ملف سرقة السيارات، حتى وإن كان من الطبيعي أن تتعاطى المخابرات وشعبة المعلومات مع مخبرين متورطين في سرقة السيارات.

وأعطى يحيى مثالاً عن المخبر ميشال كفوري، الذي نجح في ضبط أسلحة ومتفجرات وأموال مع أحد الوزراء المحبوسين الآن في قضية معروفة.
أما بخصوص طرق السرقة فهي مختلفة، أما الضحايا فقد تحدث أحدهم لـ"العربية" وقال إنه تعرض بحي الشراونة في مرة من المرات للتعنيف على يد رجال مسلحين، وتم اقتياده إلى مكان معزول ثم سرقوا منه السيارة والأموال، بعدما تعرض لضرب شديد.
وبخصوص منطقة التسليم، فكانت ولا تزال بلدة بريتال، ويتم هناك استلام السيارات بشكل غريب بين تجار شيعة من بريتال إذا كانت المنطقة تحت سيطرة النظام، وعبر تجار من عرسال السنّة إذا كانت خاضعة لسيطرة المعارضة.
والمشكلة الأخرى - برأي عباس إسماعيل رئيس بلدية بريتال - هي أن "الدولة موجودة منذ زمن في البلدة بأجهزتها الأمنية، ولكننا مازلنا ننتظر الدولة". ويفسر كلامه بالقول إن "رؤوس عصابات السيارة معروفة لدينا بالأسماء وعددهم لا يتجاوز 100 شخص، لكن المشكلة في توقيفهم تتمثل في توافر غطاء سياسي يحول دون توقيفهم".

وأوضح إسماعيل أن السلطة تحركت عندما احترقت بأيدي السيارات المسروقة والمفخخة، لكنها لم تتحرك من قبل عندما كانت بريتال تشكو من ظاهرة السيارات المسروقة.
وأعلن رئيس بلدية بريتال دعمه لأن يكون السلاح محصوراً في يد الدولة وحدها، رغم دعمه للمقاومة، على حد قوله