مايسة سلامة الناجي تكتب: الزلزال السياسي الملكي ـ

لم يخفي الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة حجم البؤس السياسي الذي وصلنا إليه. لا أحد كان يهتم لخطورة الأمر ونحن نكتب لسنوات عن ميوعة أحزاب فقدت أيديولوجياتها وانعدمت أجنداتها حتى عزفنا بالكلية عن التصويت في الانتخابات، وعن خضوع برلمان تحول إلى حظيرة "باع بالإجماع" يحلب النواب منه ما تيسر ويغادرون بتقاعد مدى الحياة، وعن خنوع محكومة أنزلت على المفقرين والطبقة المتوسطة عصى الطاعة لتمتص جيبهم وتغذي حسابات الأغنياء، وعن رؤساء جهات يبلعون رواتب ضخمة دون صلاحيات في غياب أي تفعيل حقيقي للجهوية المتقدمة حتى تحولوا إلى بزناسة صفقات.. لا أحد كان يهتم لخطورة أن الشعب فقد الثقة في كل من يحمل صفة "مسؤول" في هذا البلد نشكك في ذمته قبل أن نعرف اسمه... حتى تضررت المؤسسة الملكية حين عرت أزمة الريف الأخيرة على انعدام الوساطات بين الحاكم والشعب، وخرج الشباب إلى الشوارع عن أبسط المطالب الاجتماعية في مواجهة الأمن يطالبون لقاء الملك!
والحقيقة أن الاتهام لمعرفة أصل النكسة لم يعد مجديا: هل هو المخزن سبب تمييع هؤلاء المسؤولين لتتماشى أيديولوجيتهم مع وزارة أحمد التوفيق وأجنداتهم مع الاستثمارات الملكية؟ أم هم هؤلاء المسؤولون الذين أدى بهم الجوع إلى الخنوع والتخلي عما رفعوا قبلا من شعارات أيام المعارضة. كلا الطرفين متهم: لو وجد هؤلاء المسؤولون المرتزقة سلطة عليا حازمة لما سرقوا، ولو وجد المخزن مسؤولين شرفاء ما تسلّطَا. والأصل الآن، وقد وصلت بنا النكسة إلى أن مجموعة من ولاد الشعب قابعون في السجون لأكثر من 6 أشهر دون محاكمات وآخرون مضربون عن الطعام وسط أزمة جهة تنزف ألما.. أن نبحث عن الحل أو نشجع كل من أتى به. ويبدو أن الملك أتى به: يبدو أن محمد السادس عازم على إحداث تغيير وصفه أمسا في خطاب افتتاح الدورة التشريعية ب"تسمية الأمور بمسمياتها دون مجاملة أو تنميق واعتماد حلول شجاعة حتى وإن اقتضى الأمر .. إحداث زلزال سياسي" - كما أضاف الشرعية الدستورية على هذا الزلزال القادم قائلا: "فما نقوم به يدخل في صميم صلاحياتنا الدستورية، وتجسيد لإرادتنا القوية في المضي قدما في عملية الإصلاح وإعطاء العبرة لكل من يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام" ـ ولا يسعنا إلا أن نشجع وندعم هذا الزلزال السياسي، وإن كانت من فئات ستقاومه ما علينا إلا أن نحاربها إلى أن نرى كلمات الخطاب مجسدة على أرض الواقع. لكن..هل سيستطيع هذا الزلزال أن يعيد الثقة المفقودة؟
حين نلاحظ ما يقع مؤخرا داخل الأحزاب: حزب العدالة والتنمية الذي أزيح بنكيرانه من رئاسة الحكومة كي تنقص حدة المواجهة التي رسم في المخيال الشعبي بين المغاربة ومحيط الملك حتى بتنا نحس أننا في حرب مع أشباح تسكن القصر (والتي خرج نور الدين عيوش بتصريحات ليعيد إحياءها!).. بعد إبعاد بنكيران الذي لازال أمينا عاما للحزب ولربما يطمح في ولاية ثالثة.. هل سيترك المخزن للحزب حرية اختياره أو اختيار شخص آخر دون تدخل من وراء الكواليس؟ أثناء محاولات إنهاء عهد المضطرب شباط من على رأس حزب الاستقلال، هل كان تغييره بنزار بركة / سلاش / حمدي ولد الرشيد اختيارا استقلاليا حرا بمنافسة واضحة مع مرشحين قدموا أجندات أقنعوا بها الاستقلاليين؟ هل فضح ثروات ريافة البام العماري إلى بنشماش وبنعزوز التي راكموا من حيث لا أحد يعلم.. ستليها انتخابات بامية ديمقراطية لاختيار أمينهم العام؟ هل المخزن قادر على التراجع عن التحرك وراء الكواليس نحو صلاحياته المحددة دستوريا وأن يفسح المجال لاستقلال حقيقي للمؤسسات حتى يجد وساطة تقيه احتجاجات الشعب ونجد من يمثلنا فنتقي زراوط الأمن؟