فرسان الإصلاح: أخنوش.. “بيدق السياسة” الذي ينام ليلة القدر سنبلة ويستيقظ حمامة.. .



“انتخب” إمبراطور المحروقات عزيز أخنوش رئيسا رابعا لحزب التجمع الوطني للأحرار، وإن لم يكن “انتخابه” مفاجأة، حيث أن اسمه تردد على كل الألسنة مباشرة بعد ظهور نتائج انتخابات 7 أكتوبر المنصرم، وتقديم صلاح الدين مزوار استقالته من الرئاسة، بدعوى “تحمله” مسؤولية التراجع في النتائج التي حققها الحزب في هذه الانتخابات، ولو أن هذا المبرر يصعب تصديقه، لعدة أسباب، أهمها، أنه حتى لو افترضنا أن مزوار يريد تحمل ما أسماه مسؤولية تراجع الحزب في الانتخابات، كان من الممكن أن يعلن عن مسؤوليته تلك، ويطلب من أعضاء الحزب أن يباشروا الإعداد لمؤتمر عادي، عبر تشكيل لجنة تحضيرية، تهيئ للمؤتمر في الأشهر المقبلة، بدل الإسراع بـ “طبخ” مؤتمر استثنائي مشكوك في قانونيته، مادام أن القانون الأساسي لحزب الأحرار ينص على عدم إمكانية عقد سوى مؤتمر استثنائي واحد بين مؤتمرين عاديين، والأحرار سبق لهم أن عقدوا مؤتمرا استثنائيا في ماي الماضي، عندما أعلنوا عن تأجيل مؤتمرهم العادي إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، وهذا يؤكد أن المؤتمر العادي كان قريبا. فلماذا الاستعجال؟

كما كان من الممكن في هذه الحالة أن يباشر مزوار المفاوضات مع بنكيران باسم الحزب، إلى أن تفضي إلى ما ستفضي إليه سواء المشاركة في الحكومة، أو اختيار المعارضة، وبعد ذلك يتفرغ للمؤتمر الذي سيعلن من خلاله انسحابه من الرئاسة، بدل حالة “البلوكاج” التي تسبب فيها “قرار” الحزب، وارتباط أحزاب الاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية بقراره، في مشهد يثير أكثر من سؤال.
عزيز أخنوش عندما يقول أن رجوعه إلى الحزب “ليس مفاجأة”، ويضيف في تصريح صحافي مساء اليوم، “أنا كنت داخل الحزب واشتغلت داخله، لكن جاءت ظروف.. الحزب اختار المعارضة، وكان مخطط المغرب الأخضر و”أليوتيس” جديدا، وهو مخطط وطني، فاتفقت مع مزوار وقلت له سوف تسمح لي بإكمال هذا البرنامج وفي الحكومة. وجمدت عضويتي في الحزب..”.
هل يعتقد أن هذا الكلام، من السهل أن يصدر عن رجل سياسة، ومن رجل “حزبي”، هل الانتماء إلى الحزب سابق عنده على الانتماء إلى الحكومة، أم لاحق عليه؟. أليس قرار الحزب نافذ على كل أعضائه، وإذا كانت المصلحة الوطنية تلزم أخنوش بالمشاركة في الحكومة. لماذا لم تلزم الحزب بأكمله بالدخول إليها بدل “اختيار” المعارضة. وألا يفهم من هذا القول أن حزب الأحرار لا يفضل خدمة المصلحة الوطنية مثل أخنوش.
الملياردير السوسي يعتقد أن ذاكرة المغاربة قصيرة، وأنهم ينسون بسرعة، ولذلك ظن أنهم قد نسوا كيف شارك في حكومة عباس الفاسي سنة 2007، عندما تم وضع لائحة باسم الوزراء في جيب عباس، داخل المسجد بفاس، ليلة القدر، وكيف كان أخنوش ليلتها منتميا لحزب الحركة الشعبية، وأصبح في اليوم الموالي منتميا إلى حزب الأحرار. وكيف خلع سترته بسلاسة، وتحول بين ليلة وضحاها من سنبلة صفراء إلى حمامة زرقاء، بدون أية صعوبات. ألا يعني هذا أن الملياردير السوسي لا يهمه الانتماء الحزبي ولا يحزنون، وأن الأحزاب بالنسبة له ليست إلا “يافطة” من أجل تحقيق الوصول إلى كرسي الوزارة، مادام أن القرار السياسي في هذا البلد حسب اعتقاده – وقد يكون محقا – لا يوجد في مقرات الأحزاب، بل في أماكن اخرى.. ألا يعتقد أنه يساهم بتصرفه أمس، واليوم، في ضرب أية مصداقية للعمل السياسي والحزبي، أليس بمثل هذه التصرفات، يساهم في إبعاد المواطنين عن المشاركة السياسية، واليأس من قيام حياة حزبية عادية في المغرب؟.
وما قوله ومباشرة بعد انتخابه لوسائل الإعلام، بأنه سيلتقي غدا الأحد، عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المكلف بتشكيل التحالف الحكومي المقبل، من أجل التفاوض حول تشكيل الحكومة، إلا تأكيد أن الرجل كان يباشر مهامه كرئيس للأحرار، قبل انعقاد المؤتمر وقبل “انتخابه” رئيسا للحزب، وفي ظل وجود رئيس، كان إلى حدود إلقاء كلمته الافتتاحية يقول أمام المؤتمرين، “..أنا قدمت استقالتي، وأتمنى أن تقبلوها”، أي أنه إلى تلك اللحظة كان لايزال رئيسا لحزب الأحرار، ومع ذلك سمح لمرشح الرئاسة – وهل كان يقدر على فعل غير ذلك -، أن يباشر الاتصالات مع بنكيران، ويحدد معه موعدا للتفاوض. مما يدل أن الرجل لا يؤمن بالحزب ولا بأجهزته، بل يؤمن فقط بما يأتيه من لدن الذين يعتقد أنهم أصحاب القرار الحقيقي، وليس “لعب الأطفال”، الذي يمارسه الحزبيون.

أخنوش يؤكد بتصرفاته المتتالية، سنة بعد سنة، أنه رجل لا يؤمن بالديمقراطية، ولا بالحياة الحزبية، ولا بالسياسة.. بل فقط بالقرار “الفوقي”.